يرى كثيرٌ من الناس وهم في منازلهم، أو حينما يذهبون إلى أعمالهم، أن معرفة الاتجاهات شيء يسير لا يحتاج إلى حتى القليل من التفكير، فهو شيء بديهي، وليس في حاجة إلى عناء التفكير لمعرفته، ولكن الصدمة الكبرى، عندما يذهبون في رحلة عبر البحر مثلًا، وبعد دقائق معدودة من الإبحار يسألون أين اتجاه الشمال؟!، أو أين اتجاه الجنوب؟! وهنا يأتي دور آلة البوصلة، هذه الآلة بسيطة التركيب، عظيمة الفائدة، لتجيب على هذا السؤال ولولاها، ربما لذهب بعض الناس إلى اللاعودة، فمن هو مخترع هذه الآلة العجيبة؟ هذا ما سوف نعرفه خلال مقالنا الذي بين أيدينا.
من مخترع البوصلة ؟
تم اختراع البوصلة منذ أكثر من 2000 سنة. حيث كانت من حجر المغناطيس ، وهو حجر ممغنط طبيعيًا من الحديد ، وذلك كان في الصين في فترة ما بين 221 قبل الميلاد و 206 قبل الميلاد.
مراحل تطور البوصلة
مرت البوصلة قبل أن تصل إلى شكلها الحالي بعدة مراحل يمكن إيجازها على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: ما قبل البوصلة:
حاول الإنسان قديمًا بذل العديد من المحاولات لمعرفة الاتجاه، ولكن كان ذلك يتوقف على الظروف الطبيعية من رياح أو ضوء، فكان يأخذ قبضةً من الرمال ويرفعها إلى أعلى ثم يتركها لتنساب شيئًا فشيئًا من بين يديه متخذة اتجاه الرياح، فكان هذا الاتجاه يشير إلى جهة الجنوب، أو يضع عصا عمودية على الرمل، ويشير اتجاه الظل إلى ناحية الغرب في أول النهار، والعكس صحيح، ثم اعتمد على مواقع بعض النجوم، ثم توصّل الإنسان إلى أداة قريبة من البوصلة – حجر الحديد الممغنط المعلق تعليقًا حرًا للتعرف على الاتجاه – منذ أكثر من ألفي عام.
المرحلة الثانية: البوصلة البدائية
يعدّ اختراع البوصلة حديث عهد نسبيًا، فقد تم اختراع الشكل البدائي منها عام 1300 م تقريبًا، وفي ذلك الوقت كانت عبارة عن شريط قصير من المعدن خفيف الوزن، من مادة مغناطيسية وكانت توضع على سطح الماء في قارورة وتترك حرة الحركة حتى يستقر اتجاهها مشيرًا بأحد أطرافها إلى الشمال، وكانوا يميزونه بعلامة مميزة، في حين يتجه الطرف الآخر ناحية الجنوب بطبيعة الحال.
المرحلة الثالثة: اختراع البوصلة
و لحاجة الإنسان الملحّة إلى آلة يحدد بها الاتجاه، تكون عملية وسهلة النقل يحملها معه في سفره، كان للعرب السبق في اختراع آلة البوصلة والتي كانت على نفس هيئتها الراهنة تقريبًا، ويرجع الفضل في اختراعها عام ١٤٥٠ م إلى الملاح والجغرافي العربي أحمد بن ماجد السيباويّ، حيث قام بوضع إبرة مغناطيسية مميزة الطرفين حرة الحركة على سن مدبب مثبت على قطعة خشبية مرسوم عليها الاتجاهات الأربعة، ثم يتم تحريك الإبرة وتركها حرة الحركة لتستقر في وضع ما، فيشير أحد أطرافها المميز بعلامة أو لون محدد إلى جهة الشمال والطرف الآخر إلى جهة الجنوب، وتعرف باقي الاتجاهات من خلال الاتجاهات المرسومة على القطعة الخشبية تحت الإبرة، وتم تطويرها حتى أخذت شكلها الأنيق المعروفة به الآن، وأصبحت خفيفة الوزن، وصغيرة الحجم، دقيقة في تحديد الإتجاه.
المرحلة الرابعة: البوصلة الإلكترونية
مع تقدم العلم والتكنولوجيا، وظهور الدوائر الإلكترونية الدقيقة، والنظم البرمجية المتطورة، ومع استمرار وتجدد حاجة الإنسان، لاستخدام البوصلة في الملاحة الجوية والبحرية، قام باختراع البوصلة الإلكترونية، وهي تعتمد على المجالات المغناطيسية التي تنشأ داخل تلك الدوائر، من خلال التغذية الإلكترونية، والمجال المغناطيسي القطبيّ للأرض، وأصبحت أغلب الهواتف الذكية الجديدة تحتوي على البوصلة الإلكترونية كبرنامج من برامجها.
البوصلة وال GPs
لا يقف التطور التكنولوجي عند نقطة بعينها، فواكب تطور الأقمار الصناعية، تطور أجهزة الاتصالات أيضًا، وظهرت برامج الGPS للتعرف على المكان من خلال الاتصال بشبكة الإنترنت، إلا أن البوصلة المغناطيسية لازالت تحتفظ بمكانتها كأداة دقيقة لتحديد الاتجاهات.
مميزات البوصلة المغناطيسية
البوصلة كأداة تقليدية للتعرف على الاتجاه تمتاز عن برامج الGPS بعدة مميزات يمكن توضيحها فيما يلي:
بساطة التركيب: لا تحتوي البوصلة المغناطيسية على تركيبات داخلية معقدة، فمحتوياتها عبارة عن الإبرة الممغنطة، والحامل المدبب، والمينا المدون عليها الاتجاهات، داخل علبة محكمة الغلق ذات غطاء شفاف.
قلة التكلفة: فتكلفة البوصلة المغناطيسية مقارنة بأي آلة أخرى تعد تكلفة زهيدة، وبالتالي فسعرها في متناول يد الجميع.
ذاتية العمل: فالبوصلة المغناطيسية لا تعمل بالطاقة، وبالتالي فهي ليست في حاجة إلى مصدر للتيار الكهربائي سواء المتجدد، أو البطاريات التقليدية.
البوصلة المغناطيسية أداة للتعرف على الاتجاه، لا غنى عنها سواء في الملاحة الجوية، أو البحرية، أو للمسافر بسيارته عبر الطرق الصحراوية، أو حتى أثناء الرحلات التي يقوم بها الإنسان للتنزه.
التعليقات