تطبيقات الاستشعار عن بعد

يستطيع الإنسان أن يستشعر البيئة المحيطة به، من خلال حواسّه المختلفة، ولكن أن يستشعر تلك البيئة عن بعد، قد يصل إلى آلاف الكيلو مترات، كان هذا دربًا من الخيال، إلى أن صار واقعًا نعيشه اليوم. فالإنسان يستطيع الآن أن يستشعر العواصف قبل هبوبها، والفيضانات قبل أن تحدث، والزلازل قبل أن تثور، وغيرها الكثير من الظواهر الطبيعية، وكان للاستشعار عن بعد العديد من التطبيقات العملية المختلفة في حياتنا، ولأهمية هذا الموضوع سوف نتناوله خلال سطور مقالنا هذا.

ماهية الاستشعار عن بعد

كان اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية، وموجات الراديو، الدور الكبير في نشوء وتطوير  تقنية الاستشعار عن بعد؛ فالظواهر الطبيعية عند حدوثها تنبعث منها تلك الموجات الكهرومغناطيسية، ومن خلال حسّاسات دقيقة تستطيع التقاط تلك الموجات عن بعد، عبر الأقمار الصناعية، أو من خلال أجهزة خاصة، تكون في متناول اليد .

تعريف الاستشعار عن بعد

اختلفت مفاهيم الاستشعار عن بعد باختلاف العصر التكنولوجي الذي سيقت فيه، إلا أنها تعرف حديثًا بأنها: ” تلك التكنولوجيا التي تعتمد على الموجات الكهرومغناطيسية المنعكسة، أو المنبعثة من الظواهر الطبيعية في الأرض أو الفضاء، باستخدام أجهزة خاصة، دون ملامستها ماديًا، أو فيزيائيًا لمصدر تلك الموجات، و تحليلها وترجمتها إلى معلومات، تستخدم في التطبيقات الحياتية”.

أهم تطبيقات الاستشعار عن بعد

هناك العديد من التطبيقات التي ترتبت على تقنية الاستشعار عن بعد، يمكن توضيحها في الآتي:

أولًا: الموارد الطبيعية

كانت هناك الكثير من الموارد الطبيعية المهدرة وغير المستغلة، لعدم معرفتها، ولكن بفضل تقنية الاستشعار عن بعد، استطاع الإنسان تصويرها، وحصرها، وبالتالي استغلالها، ومن أمثلة ذلك:

• حقول النفط والغاز:

قديمًا لم يستطع الإنسان بأدواته التقليدية، البحث عن حقول النفط والغاز بعيدة الأعماق في الأرض، أو حتى معرفة وجودها من عدمه بادئ ذي بدء، ولكن بفضل هذه التقنية الحديثة، استطاع الآن عمل خريطة جيولوجية لأماكن وجودها واستغلالها.

• المياه السطحية الجوفية:

تمكن الإنسان من خلال تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، تحديد أماكن المياه الجوفية، وأماكن تراكم الثلوج، و التنبؤ بالفياضانات؛ وبذلك ساعد في وضع الخطط الاحترازية لمواجهتها، والعمل على استغلالها، في شتى مناحِ الحياة.

ثانيًا: أعمال المساحة

كانت عملية وضع الحدود الإدارية والدولية عملية شاقّة بالغة الصعوبة، ولكن مع استخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، تمكّن علماء الجغرافيا من مسح الكرة الأرضية تقريبًا، ورسم الخرائط بدقة متناهية، مع تحديد المساحة، مع هامش خطأ يكاد أن يكون صفرًا.

ثالثًا: تحديد الأماكن الأثرية

لم يستغل الإنسان حتى وقت قريب الكثير من الآثار؛ وذلك لعدم اكتشافها، ولكنه استطاع حديثًا باستخدام تقنية الاستشعار عن بعد، أن يكتشف الكثير من المناطق الأثرية، وذلك كالآتي:

• المظاهر الأثرية المكشوفة:

بالرغم من وجود الكثير من المناطق الأثرية المكشوفة، ألا أنه لبعد مكانها لم يستطع الإنسان اكتشافها، ولكن من خلال التصوير الجوي استطاع تحديد أماكن تواجدها، وتحديد المسافة التي تفصله عنها ، وقام باستغلاها، وتنميتها، كثروة سياحية ذهبية.

• الآثار المطمورة:

كانت الآثار المدفونة تحت الأرض سرًّا مغلقًا بالنسبة للإنسان، ولكن باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية، والرادارية، استطاع علماء الآثار الكشف عن كنوز أثرية كانت ستذهب في غياهب التاريخ، لولا فضل تقنية الاستشعار عن بعد في اكتشافها، والتنقيب عنها واستخراجها.

رابعًا: مجال الزراعة

استطاع الخبراء والمهندسون الزراعيون، من خلال رصد الأقمار الصناعية للتغيرات المناخية، الكشف عن مصادر الأوبئة، والآفات الزراعية، وتحديد الحقول الزراعية المصابة وسبب إصابتها؛ مما سهل معالجتها مبكرًا، وكذلك تمكّنوا من رصد أماكن الغابات واستغلالها، وأيضاً رصد أنشطة النباتات وسلوكها الحيوي؛ وبالتالي ساهم في تحديد نوعية الأسمدة المناسبة وكمياتها.

خامسًا: التخطيط الميداني

تمكّن المهندسون العمرانيون، من خلال صور الأقمار الصناعية عن بعد، من وضع الخرائط العمرانية المحلية، وكذلك التخطيط الميداني للمنشآت العمرانية، كإقامة السدود، وتمهيد الطرق، ومدّ السكك، والأنفاق، وإقامة المحطات النووية، والمرافئ، وغيرها.

سادسًا: المسطحات المائية

يعتبر من أهم التطبيقات العملية للاستشعار عن بعد، دراسة البحار والمحيطات والأنهار، وتوازنها مع اليابسة، واكتشاف الحياة العميقة لها، واستغلال ثرواتها، وتحديد حركة المياه، والمدّ والجزر، تحديدًا دقيقًا، واستغلال تلك المعلومات في الملاحة البحرية، كما ساهمت في التنبؤ بمستقبل مناخ الأرض.

وبهذا تتضح ماهية تقنية الاستشعار عن بعد، وأهميتها، وفوائدها الجمّة، في كثير من المجالات الهندسية، والبيئية، والزراعية والجيولوجية.